الأب هاني شلالا المُرسل اللبناني إنّ شخصيّة يسوع المسيح تبقى صخرة شك وحجر عِثار للعقل البشري. فسرُّ التجسّد الإلهي وسرّ الفداء الخلاصي، يبقيان التحدّي الأكبر لعقل الإنسان. فمنذ البداية وحتى النهاية كان يسوع يعمل ويُعلّم بسلطان إلهي، وقد برهن عن صحة كلامه ورسالته بالآيات والمُعجزات.
نراه مثلاً يشفي العميان ليقول:"أنا نور العالم، من يتبعني لا يمشي في الظلام". نراه يطرد الشياطين ويحرّر الممسوسين الخرس والصمّ، ويُعيد إليهم السمع والنُطق، ليقول: "أنا هو الكائن، أنا الألف والياء، أنا الكلمة والنور، أنا سيّد الكون وملِكه، وإبليس ليس إلّا خليقة بائسة وعاصية، مُضلِّلة وقاتلة". نراه يُسكّن العواصف ويمشي على المياه ليقول:"أنا سيّد العناصر والكون ولا شيء يعصى أوامري". نراه يُكثّر الخبز والسمك ليقول:"أنا الخبز الحيّ النازل من السماء. من يأكل من هذا الخبز يحيا الى الأبد، وهذا الخبز هو جسدي الذي يُبذل لأجل خلاص العالم". ونراه يُعطي هذا الخبز في العشاء السرّي وعلى الصليب:"خذوا كُلوا هذا هو جسدي ... خذوا اشربوا هذا هو دمي". نراه يغفر الخطايا ليُثبت أنّه هو الله. ويأمر المخلّع بأن يحمل سريره ويذهب الى بيته لكي يُثبت للناس أنّه سيّد الحياة وصانعها. ونراه يشفي البُرص ليقول أنّه هو شافي البشريّة من أمراضها وعزلتها وموتها وخطيئتها. نراه يشفي اليهود وغير اليهود ولا يقف عند أيّ حدود، لأنّ محبّته تشمل كلّ الشعوب والأمم. لقد حطّم كلّ الحواجز لأنّ المحبّة بلا حدود. نراه يُقيم الموتى لكي يبرهن أنّه هو سيّد الحياة والموت وبأنّ كلّ شيء بيده وهو ضابط الكلّ بيمينه. نراه يتنبأ عن كل شيء: عن مصيره ومصير تلاميذه، عن موته وقيامته، عن خراب اورشليم وهيكلها، وعن إرسال الروح القدس ومجيئه الثاني بالمجد... . نراه يُعطي السلطان لتلاميذه لكي يشفوا المرضى ويطردوا الشياطين ويُقيموا الموتى باسمه. ونراه يُجري أعظم آية بعد آلامه وموته على الصّليب، الا وهي قيامته من بين الأموات. فقيامته هي ختم الصدق على كلّ ما قال وعلّم. ولولا القيامة لكان اختفى كلّ شيء وانتهى، كما أعلن بولس الرسول:" لو لم يقم المسيح لكان ايمانكم باطل وتبشيرنا باطل". ولولا ظهور المسيح القائم من الموت لتلاميذه لمدة أربعين يومًا لتثبيتهم على الإيمان، ولإرسالهم الى العالم حاملين البشارة السّارة الى أقاصي الارض، لما بقي ذكر للمسيح ولما بقيت ديانة مسيحيّة على وجه الأرض. ولولا حلول الروح القدس على التلاميذ لكانوا ما زالوا مدفونين في قبور خوفهم. فهؤلاء البسطاء والجهّال والفقراء قد ردّوا العالم، وهذه هي أعجوبة من أعظم الآيات. إنّ كلّ الامبراطوريّات والممالك قد بُنيت على القوّة والعنف والسيف والحرب، ومصيرها الزوال؛ إلّا مملكة المسيح الّتي بُنيت على الإيمان والمحبّة، فمصيرها الخلود لأنّ المحبّة هي جوهر الله، وجوهر الله خالد لا يزول. وهذا هو مجد المسيحيّة: أنّها بُنيت على دماء شهدائها، وليس على دماء أعداءها. وهذا الدمّ كان وسيبقى بذار مؤمنيها الصادقين الأبرار على مدى الأيام. ولن يكون سيفٌ للمسيحيّة الا سيف المحبّة والإيمان حتى مُنتهى الدهور. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، نحن جميعًا، كما قال الرّسول بولس، نحمل كنز الحياة في آنِيَةٍ مِن خَزَف (راجع 2 قورنتس 4، 7)، ويدعونا اليوم العالميّ لذوي الاحتياجات الخاصّة إلى أن نفهم أنّ هشاشتنا لا تحجب بأيّ شكل من الأشكال "نورَ بِشارةِ مَجْدِ المسيح"، بل تكشف لنا أنّ "تِلكَ القُدرَة الفائِقَة (هي) لِلهِ لا مِن عِندِنا" (2 قورنتس 4، 4. 7). في الواقع، يُعطى كلّ واحد، بدون استحقاق وبدون تميِيز، الإنجيل بأكمله، ومعه المهمّة السّارة لإعلانه. "إنّا جميعًا مدعوّون إلى أن نقدّم للآخرين شهادة لحبّ الله الخلاصيّ، الذي يتجاوز نواقصنا، وهو يقترب منا، ويُعطينا كلمته وقوّته ومعنى حياتنا" (الإرشاد الرسولي، فرح الإنجيل -Evangelii gaudium ، 121). نَقلُ الإنجيل، في الواقع، ليس مهمّة تقتصر على قلّة قليلة من الناس، بل هو ضرورة أساسيّة لأيّ واحد اختبر اللقاء والصّداقة مع يسوع [1]. الثّقة بالرّبّ يسوع، وخبرة حنانه، وتعزيّة رفقته، ليست امتيازات محفوظة لقليل من الناس، ولا امتيازات لمن تلقوا تنشئة دقيقة وطويلة. بل العكس، يقدّم الله رحمته حتّى يعرفها ويلتقي بها بطريقة خاصّة جدًّا الذين لا يثقون بأنفسهم ويشعرون بالحاجة إلى تسليم أنفسهم إلى الرّبّ يسوع، وللمشاركة مع إخوتهم. إنّها حكمة تنمو شيئًا فشيئًا كلّما زاد وعينا لحدودنا، وتسمح لنا بأن نقدّر بشكل أكبر اختيار الله القدّير للحبّ الذي به ينحني على ضعفنا. إنّه وعي يحرّرنا من حزن التشكي – ولو كثرت مبرراته - ويسمح للقلب بالانفتاح على المديح والشّكر. الفرح الذي يملأ وجه الذين يلتقون بيسوع ويوكلون إليه حياتهم ليس وهمًا أو ثمرة سذاجة، بل هو تدفق قوّة قيامته في حياة تتسم بالهشاشة. إنّها سُلطة تعليميّة، حقيقيّة وخاصّة، سُلطة الضّعف، لو استمع الناس لها، لجعلت مجتمعاتنا أكثر إنسانيّة وأخوّة، ولسارت بكلّ واحدٍ منّا إلى أن يفهم أنّ السّعادة هي خبز لا يمكن أن يأكله أيّ إنسان وحده. كم يساعدنا وعيُنا أنّنا بحاجة بعضنا إلى بعض، لتكون علاقاتنا أقلّ عدائيّة مع من هم حولنا! وكذلك الحقيقة أنّ الشّعوب أيضًا لا تخلُص وحدها، تساعدنا إلى البحث عن حلول للصّراعات العبثيّة التي نعيشها! اليوم، نريد أن نتذكّر آلام كلّ النّساء والرّجال ذوي الاحتياجات الخاصّة الذين يعيشون في حالة حرب، أو الذين أصبح لديهم احتياجات خاصّة بسبب المعارك. كم من الأشخاص - في أوكرانيا وفي ميادين الحرب الأخرى - ما زالوا مسجونين في الأماكن التي فيها معارك ولا يمكنهم حتّى الهرب! يجب أن نوليهم اهتمامًا خاصًّا، وأن نسهّل وصولهم إلى المساعدات الإنسانيّة بكلّ طريقة ممكنة. سُلطة الضّعف التي تعلِّم هي موهبة، بها يمكنكم أنتم - أيّها الإخوة والأخوات ذوو الاحتياجات الخاصّة – أن تُغنوا الكنيسة: حضوركم "يمكن أن يساهم في تغيير الواقع الذي نعيشه، ويجعله أكثر إنسانيّة وترحّيبًا. من دون ضعف، ومن دون حدود، ومن دون عقبات يجب تجاوزها، لن تكون هناك إنسانيّة حقيقيّة" [2] . ولهذا أنا سعيد أنّ المسيرة السينوديّة أظهرت أنّها مُناسبة مؤاتية للاستماع أخيرًا إلى صوتكم أيضًا، وأنّ صدى هذه المشاركة وصل إلى وثيقة السّينودس التّحضيريّة على مستوى القارات. جاء فيها: "تشير التّقارير الكثيرة إلى عدم وجود البُنى والوسائل المناسبة لمرافقة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة، وتطلب إيجاد طرق جديدة للتّرحيب بمساهمتهم وتعزيز مشاركتهم. على الرّغم من نفس تعاليمها، الكنيسة توشك أن تصير مثل المجتمع الذي يضع هؤلاء الأشخاص جانبًا. وتعدِّد الوثيقة أشكال التّمييز: عدم الإصغاء، عدم احترام الحقّ في اختيار المكان الذي يعيشون فيه أو الشّخص الذي يريدون الإقامة معه، الحرمان من الأسرار، الاتهام بالسّحر والاعتداءات، وغيرها. كلّ هذا يصف سياسة التّهميش تجاه الأشخاصذوي الاحتياجات الخاصّة، وهي ليست وليدة الصّدفة بل تعود إلى المبدأ الأساسيّ نفسه: الاعتقاد بأنّ حياة هؤلاء الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة ليست لها القيمة نفسها مثل الآخرين" [3] .
في الواقع، كان اللّقاء والأخوّة هما اللذان كسرا جدران عدم الفهم وتغلّبا على التّمييز. لهذا، أتمنّى أن تنفتح كلّ جماعة مسيحيّة على وجود الإخوة والأخوات ذوي الاحتياجات الخاصّة، مع التّأكيد دائمًا لهم على التّرحيب بهم والاندماج الكامل. عندما تكون الحالة تعنينا نحن، وليس هم، وهذا يتبيّن عندما تصيبنا الإعاقة، بشكل مؤقت أو بسبب بلوغنا مرحلة الشّيخوخة الطّبيعيّة، إذاك يكون المعوَّق نحن أنفسنا أو أحد أحبائنا. في هذه الحالة، نبدأ بالنظر إلى الواقع بعيون جديدة، وندرك الحاجة إلى كسر الحواجز التي بدت في السّابق غير مهمّة. كل هذا، مع ذلك، لا يلغي اليقين بأنّ أيّة حالة من حالات الاحتياجات الخاصّة - مؤقتة أو مكتسبة أو دائمة - لا تغيّر بأيّ شكل من الأشكال طبيعتنا أنّنا أبناء لأب واحد، ولا تغيّر من كرامتنا. الله يحبّنا جميعًا بنفس الحبّ الحنون، والأبوي غير المشروط. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أشكركم على المبادرات التي تُحيون بها هذا اليوم العالميّ لذوي الاحتياجات الخاصّة. أرافقكم بصلاتي. وأبارككم جميعًا من قلبي، وأطلب منكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي. روما، بازيليكا القدّيس يوحنا في اللاتران، يوم 3 كانون الأوّل/ديسمبر 2022 __________________________________________________________ [1] راجع رسالة في مناسبة اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصّة، 20 تشرين الثّاني/نوفمبر 2021. [2] الكنيسة بيتنا. ملخّص الاستشارة السينوديّة الخاصّة لذوي الاحتياجات الخاصّة، برعاية دائرة العلمانيّين والعائلة والحياة، رقم 2: راجع موقع دائرة العلمانيّين والعائلة والحياة. [3] وثيقة العمل للمرحلة على مستوى القارات في موضوع السينوديّة، 36.
في الواقع، يوحنّا المعمدان أكثر من كونه رجلًا متشدِّدًا، إنّه يرفض الازدواجيّة. مثلًا، عندما كان يقترب منه الفرّيسيّون والصّدّوقيّون، المعروفون بنفاقهم، كانت ”ردّة فعلِهِ“ أشدَّ! في الواقع، بعضهم، ربّما كانوا يذهبون إليه بدافع الفُضول أو فقط للظهور ولمجاراة أناس، لأنّه صار ليوحنا شعبيّة كبيرة. شَعَرَ هؤلاء الفرّيسيّون والصّدّوقيّون بأنّهم على ما يرام، وأمام دعوة يوحنّا المعمدان المُلِحَة إلى المعموديّة، كانوا يبرّرون أنفسهم قائلين: "إنَّ أَبانا هُوَ إِبْراهيم" (الآية 9). هكذا، بين الازدواجيّة والغرور، رفضوا قبول النّعمة، والفرصة ليبدأوا حياةً جديدة. كانوا منغلقين في غرورهم أنّهم أبرار. لذلك قال لهم يوحنّا: "فأَثمِروا إِذًا ثَمَرًا يَدُلُّ على تَوبَتِكم" (الآية 8). إنّها صرخة محبّة، مثل صرخة الأب الذي يرى ابنه يعرِّض نفسه للهلاك، فيقول له: ”لا تُضيّع حياتك!“. في الواقع، أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء، الرّياء هو الخطر الأشدّ، لأنّه يستطيع أن يُفسد أقدس الحقائق. الرّياء خطر شديد! لهذا كان يوحنّا المعمدان – ويسوع أيضًا بعد ذلك – قاسيًا مع المُرائين. يمكننا أن نقرأ على سبيل المثال الفصل 23 من إنجيل متّى، عندما تكلّم يسوع إلى المرائين في ذلك الوقت، بصوت عالٍ جدًا! ولماذا فعل ذلك يوحنا المعمدان ويسوع أيضًا؟ لكي يهِزَّهم. الذين كانوا يشعرون بأنفسهم أنّهم خطأة "كَانُوا يَخرُجُونَ إِلَيهِ، فيَعتَمِدونَ عَن يَدِه ويَعتَرِفُونَ بِخَطاياهم" (الآيات 5-6). هذا هو الواقع: كي نستقبل الله لا تهمّ المهارة، بل التّواضع. هذه هي الطريقة لاستقبال الله، وليست المهارة. قد يقول البعض: ”نحن أقوياء، نحن شعب عظيم...“، لا، يجب التّواضع. وقد يقول آخرٌ: ”أنا خاطئ“؛ ولكن لا تقل ذلك بصورة نظرية، لا ، بل خطئت في ”هذا، وهذا، وهذا“. يجب على كلّ واحد منّا أن يعترف بخطاياه، وقبل كلّ شيء أن يعترف لنفسه، بخطاياه، ونقائصه، وعلينا أن ننزل من عرشنا ونَغطس في ماء التّوبة.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، يوحنّا، ”بحساسيّته الشّديدة تجاه الازدواجيّة“، يجعلنا نفكّر. ألسنا نحن أيضًا مثل هؤلاء الفرّيسيّين أحيانًا؟ ربّما ننظر إلى الآخرين من أعلى إلى أسفل، ونفكّر أنّنا أفضل منهم، وأنّ حياتنا في يدنا، وأنّنا لسنا بحاجة كلّ يوم إلى الله والكنيسة وإخوتنا. ننسى أنّه يجوز أن ننظر إلى الآخر من أعلى إلى أسفل، في حالة واحدة فقط: عندما يكون من الضّروري أن نساعده على النهوض. هذه الحالة الوحيدة التي يجوز فيها النظر من فوق، أمّا في كلّ الحالات الأخرى، فلا يجوز. زمن المجيء هو زمن نعمة لكي ننزع عنّا أقنعتنا - كلّ منّا لديه هذه الأقنعة - ونصطفّ مع المتواضعين، ونتحرّر من غرورنا واعتقادنا بأنّنا مكتفون ذاتيًّا، فنذهب ونعترف بخطايانا، الخفية، ونقبل مغفرة الله، ونطلب المعذرة ممّن أسأنا إليهم. هكذا تبدأ الحياة الجديدة. والطّريق واحد فقط، وهو التّواضع: لنتطهّر من الشّعور بالتّفوق والشّكليّات والرّياء، لكي نرى في الآخرين إخوة وأخوات لنا، وخطأة مثلنا، ولكي نرى في يسوع مخلّصًا الذي جاء من أجلنا أيضًا، وليس من أجل الآخرين فقط، بل من أجلنا، تمامًا كما نحن، مع فقرنا وبؤسنا ونقائصنا، ولا سيّما مع حاجتنا لكي يقيمنا من جديد، ويغفر لنا ويخلّصنا. ولنتذكّر أمرًا آخر أيضًا: مع يسوع هناك دائمًا إمكانيّة لنبدأ من جديد. لا يفوت الأوان أبدًا، فهناك دائمًا إمكانيّة لنبدأ من جديد. تشجعوا، فهو قريب منّا وهذا وقت التّوبة. كلّ واحد منكم يمكن أن يفكّر: ”أنا في هذه الحالة في داخليّ، وهذه المشكلة تجعلني أشعر بالخجل...“. لكن يسوع قريب منك. ابدأ من جديد، هناك دائمًا إمكانيّة لتخطُوَ خطوة أخرى. إنّه ينتظرنا ولا يتعب منّا أبدًا. لا يتعب أبدًا! نحن مزعِجون، لكن هو لا يتعب أبدًا. لنُصغِ إلى نداء يوحنا المعمدان لكي نعود إلى الله ولا ندع زمن المجيء هذا يمرُّ مثل أيّام السّنة العاديّة، لأنّه زمن نعمة، زمن نعمة لنا أيضًا، الآن، وهنا! لتساعدنا مريم، خادمة الرّبّ يسوع المتواضعة، لنلتقي بِهِ وبالإخوة على طريق التّواضع، الذي هو الطّريق الوحيد الذي يجعلنا نتقدّم دائمًا. اِسم يسوع في العُبرانيّة يعني "الله يُخلِّص". وفي البشارة، في أنجيل لوقا، قال الملاك جبرائيل لمريم: أن تدع اسمه: يسوع، اسماً عَلماً، يُعبّر عن هويّته ورسالته معًا (ألله يُخلِّص): " فقالَ لَها المَلاك: "لا تَخافي يا مَريَم، فقَد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله. فَستَحمِلينَ وتَلِدينَ ٱبنًا فسَمِّيهِ يَسوع". (لو1/30-31)
وبما أنّ "الله وحده يستطيع أن يغفر الخطايا" كما يقول إنجيل مرقس (مر 2/7) فهو، أيّ الله، بيسوع، ابنه الأزلي المُتجسّد "يُخلّص شعبه من خطاياهم" كما ورد في إنجيل متى. وهكذا يصل الله في يسوع إلى قمة تاريخه الخلاصي للبشر. إنّ اسم يسوع: أيّ الله يُخلّص، هو دعوة الله لجميع الناس في كلّ مكانٍ للخلاص. فكما يقول بولس الرسول: "فإِذا شَهِدتَ بِفَمِكَ أَنَّ يسوعَ رَبّ، وآمَنتَ بِقَلبِكَ أَنَّ اللهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، نِلتَ الخَلاص. فَقَد وَرَدَ في الكِتاب: "مَن آمَنَ بِه لا يُخْزى"..."فكُلُّ مَن يَدْعو بِٱسمِ الرَّبِّ يَنالُ الخَلاص". (رو 10/9-13) يسوع، إنه الاسم الإلهي الذي وحده يجلب الخلاص، وبوسع كلّ إنسان من الآن وصاعداً أن يدعو به لإنّه اتّحد بطبيعتنا البشريّة بالتجسّد، فكما يذكر سفر أعمال الرسل:" فلا خَلاصَ بأَحَدٍ غَيرِه، لأَنَّه ما مِنِ ٱسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على أَحَدِ النَّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص". (أعمال 4/12) قيامة يسوع هي برهان لاهوته وبنوّته لله (رو 1/4) إذ أنّه، من الآن وصاعداً، سيُظهر اسم يسوع بين البشر، القدرة السامية التي لصاحب "الإسم الذي هو فوق كلّ اسم" كما يُعلن الوحيّ. فالأرواح الشريرة تخشى اسمه كما يذكر سفر أعمال الرسل: "فالتفت بولس وقالَ للرُّوح: آمُرُكَ بِٱسمِ يسوعَ المسيح أَن تَخرُجَ مِنها! فخَرَجَ لِساعَتِه". (أعمال 16/18) وبإسمه يصنع تلاميذه معجزات كما يذكر مرقس: "والَّذينَ يُؤمِنونَ تَصحَبُهم هٰذهِ الآيات: فبِٱسْمي يَطرُدونَ الشَّياطين، ويَتَكَلَّمونَ بِلُغاتٍ لا يَعرِفونَها، ويُمسِكونَ الحَيَّاتِ بِأَيديهِم، وإِن شَرِبوا شَرابًا قاتِلاً لا يُؤذيهِم، ويضَعونَ أَيديَهُم على المَرْضى فَيَتعافَون". (مر 16/17) يسوع، أيّ الله يُخلِّص، "لَه يَشهَدُ جَميعُ الأَنبِياءِ بِأَنَّ كُلَّ مَن آمَنَ بِه يَنالُ بِٱسمِه غُفرانَ الخَطايا". (أعمال 10/43). به يقترب المؤمنون المُخلّصون إلى عرش نعمة الله الآب ليسألوا وينالوا. كما قال يسوع بنفسه: "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِن سَأَلتُمُ الآبَ شَيئًا بِٱسمي أَعطاكم إِيَّاه". (يو16/23) إنّ اسم يسوع هو في قلب الصّلاة المسيحيّة. فالصّلاة الكتابيّة هي التي تُرفع لله الآب باسم يسوع، أيّ بشفاعة يسوع المسيح الذي قدّم نفسه كفّارة لخطايانا. أبناء الله، لقب أُعطي في العهد القديم للملائكة، ولشعب الله، قُصد به بنوّة التبنّي التي تجعل بين الله وخليقته علاقات ألفة خاصة. لكن فيما يختص بالمسيح المُنتظر، عندما يُوصَف بأنّه "ابن الله" فإنّ ذلك يعني مساواته بالله أو بمعنى آخر هو الله الأتي في الجسد. كان هذا إيمان شعب العهد القديم وفهمه للكتب المُقدّسة، لذلك سَعْوا إلى قَتلِ يسوع لأَنَّهُ قال "إِنّ اللهَ أبُوهُ، مُسَاوياً نَفْسَهُ بالله." (يوحنا 18:5)
وللسبب نفسه طلب اليهود من بيلاطس أن يصلب يسوع قائلين: " لَنا شَريعَة، وبِحَسَبِ هٰذهِ الشَّريعة يَجِبُ علَيه أَن يَموت لأَنَّه جَعَلَ نَفْسَه ٱبنَ الله" (يوحنّا 7:19 )؛ القول الذي زاد من خوف بيلاطس وسعى لإطلاقه، لكنّه رضخ في النهاية لرغبتهم. أَنتَ هوَ المسِيحُ ابنُ اللهِ الحَيِّ!" كان اعتراف بطرس بمن هو يسوع الذي من الناصرة، والذي طوّبه لأجله المسيح قائلاً: "طُوبَى لكَ فما أَعْلَنَ لكَ هذا لحمٌ ودمٌ، بلْ أَبِي الَّذي في السَّمَاوات". (متى 16:16) إنّ لقب ابن الله لا يعني بشكل من الأشكال المعنى الجسدي أو الحرفي ولكن كما يُعلن الوحي المقدّس بوضوح أن يسوع المسيح: "هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى، وبِكْرُ كُلِّ خَليقَة. ففيه خُلِقَ كُلُّ شَيء مِمَّا في السَّمَواتِ ومِمَّا في الأَرْض، ما يُرى وما لا يُرى ... كُلُّ شَيءٍ خُلِقَ بِه ولَه. هو قَبْلَ كُلِّ شَيء وبِه قِوامُ كُلِّ شَيء... فقَد حَسُنَ لَدى اللهِ أَن يَحِلَّ بِه الكَمالُ كُلُّه. وأَن يُصالِحَ بِه ومِن أَجلِه كُلَّ مَوجود، مِمَّا في الأَرْضِ ومِمَّا في السَّمَوات، وقَد حَقَّقَ السَّلامَ بِدَمِ صَليبِه". (كولوسي 15:1-22) تُقدّم الأناجيل حادثتين هما عِمَاد المسيح وتجلّيه، أتى فيهما صوت الله الآب من السماء مُعلناً: "هذا هو ابني الحَبيب" (متى 3/17 و17/5). ويُعلن المسيح عن نفسه أنّه “ابن الله الوحيد” ويُظهر هويّته ومهمّته أوالقصد من تجسّده حين قال: "لأنَّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالمَ حتّى بَذَلَ ابنَهُ الوحيدَ، لكي لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤمنُ به، بل تَكُونُ لهُ الحياةُ الأَبَدِيَّة". (يو 3/16) لقد ميّز يسوع بنوّته من بنوّة تلاميذه فلم يجمع أبداً نفسه مع تلاميذه مُستخدماً تعبير"أبونا"، لكنّه دعاهم أحباء وأصدقاء. ولكن بعد قيامته وإتمام قصد تجسّده أيّ فِداء كلّ من يؤمنون به ومُصالحتهم مع الآب وارجاعهم لرتبة الأبناء التي فُقدت بعصيان آدم الأول، يقول لأوّل مَرّة عندما تراءى لمريم المجدليّة في فجر قيامته: "ٱذهَبي إِلى إِخوَتي، فقولي لَهم إِنِّي صاعِدٌ إِلى أَبي وأَبيكُم…" (يو 20/17) لقد فتح يسوع المسيح باب تبنّي الله للبشر؛ وأعطاهم أن يشاركوه في بنوّته لله التي ظهرت وتأكّدت بقيامته من الأموات إذ كما يقول الرسول بولس عنه: "وجُعِلَ ٱبنَ اللهِ في القُدرَة، بِحَسَبِ روحِ القَداسة، بِقِيامَتِه مِن بينِ الأَموات". (روم1/4). ونستطيع جميعناً، كلّ من نال خلاصه أن نقول مع الرسول يوحنّا: "…ونحنُ رأينَا مَجدَهُ، مَجدَ ابنٍ وحيدٍ عندَ الآب، وهو مُمتَلِىءٌ بالنِّعمَةِ والحَقّ". (يو 1/14) |
أكاديميّة الإنجيلتعمل أكاديميّة الإنجيل على تعميق المعرفة وتعزيز الوعي لمواضيع مرتبطة بعيش الإنجيل بهدف التجدّد الرّوحيّ وتغيير السلوك المسيحيّ من خلال التّطبيق الفعّال والعمليّ، لهذه المعرفة المُكتسَبة، في الحياة اليوميّة. للمزيد إنضم الى قناتنا على يوتيوب اليوم. إضغط هناأرشيف
March 2025
Categories
All
|