الخوري يوسف عسّاف ما هو الغفران؟
غفران الإساءة هو عمل يقوم به الإنسان بنعمة إلهيّة، وهو يتطلّب نضجًا إنسانيًّا وروحيًّا، وهذا ما لا يحدث إلاّ في مسيرة. إن كان الغفران نعمة، فهو إذًا عطيّة مجّانيّة من الله لكنّه أيضًا مسؤوليّة موكولة إلينا، علينا أن نسهر على تنميتها فينا، أو بالحريّ على نموِّنا فيها. أمّا غفران الخطايا فهو من اختصاص الله وحده، وقد كان ليسوع في الأرض سلطان على مغفرة الخطايا، وقد برهن عنه في آية شفاء المخلَّع (مرقس 2/ 1-12). وقد أعطى الربّ القائم من الموت هذا السلطان لجماعة التلاميذ مقرونًا بعطيّة الروح القدس والرسالة (يوحنا 20/ 21-23)، وهذا ما عبّر عنه القدّيس بولس إذ قال إنّ الله عهد إلينا خدمة المصالحة، أي عهد إلينا أن نعلنها للعالم لأنّنا سفراء المسيح، وكأنّ الله هو مَن يعظ بألسنتنا (2 قورنتس 5/ 14-21). يسوع الغافر، يوحنا 13/ 21-30. أثناء العشاء الأخير، بعد أن غسل يسوع أرجل تلاميذه، ومن بينهم يهوذا الإسخريوطي الذي كان يريد أن يُسلمه (يوحنا 13/ 1-17)، قرّر يسوع أن يحضِّر تلاميذه لما سيجري فأخبرهم بأنّ واحدًا منهم سيُسلمه، من دون أن يحدِّد أمامهم مَن هو هذا الواحد. نظر التلاميذ بعضُهم إلى بعض حائرين لا يعرفون مَن يعني يسوع بقوله. لم يتّهموا أحدًا بل بدأوا، حسب ما يخبرنا به القدّيس متّى، أنّهم حزنوا جدًّا وأخذوا يسألونه، واحدًا واحدًا: "هل أنا هو، يا سيّد" (متى 26/ 22). تلك كانت نقاوة التلاميذ الذين لا يشيرون إلى أحد متّهمين بل يتساءلون حول أمانتهم هم. غمس يسوع اللقمة ورفعها وناول يهوذا بنَ سمعان الإسخريوطيّ (يوحنا 13/ 26). كي يدلّ يسوع إلى الخائن، اختار أن يعطيه فرصةً جديدة مبيِّنًا له عمق محبّته. إعطاء اللقمة على المائدة يدلّ على المكانة التي للآخر في قلبنا. تلك هي المكانة التي ليهوذا في قلب يسوع، بالرغم من معرفة يسوع بالخيانة. غير أنّ يهوذا، لمّا تناول اللقمة، دخل فيه الشيطان (13/ 27) وخرج في الحال، وكان ليلاً (13/ 30). ما علاقة الشيطان باللقمة؟ اللقمة هي علامة المحبّة، وأمام إصرار يهوذا على الخيانة بالرغم من تجلّي محبّة يسوع له بأكمل صورها، دخل فيه الشيطان لأنّه قسّى قلبه وأصرّ على رفض الحبّ، فكان ليل لأنّه أسلم ذاته لسُلطان الظلمة ولم يُرِد أن يسير في النور. هذا هو غفران يسوع: إنّه المثابرة على الحبّ من دون شروط ولا تحفُّظ، حبٌّ من دون ندامة. في عالم اليوم أخبرني إنسان عن صديقه في استراليا، قال: "كان صديقي يجمع الحطب خلف منزله، فداس عن طريق الخطأ أفعى سامّة فلسعته. كان أمام أحد خيارين: أن يتعقّب الأفعى للإنتقام منها أو الذهاب حالاً إلى المستشفى للتخلّص من السمّ الذي يسري في عروقه. "كان الصديق حكيمًا فاختار الخيار الثاني، لم يضيّع لحظةً واحدة بل قاد سيّارته إلى أقرب مستشفى فنجا." الإنتقام هو أن نترك أنفسنا نموت بسمّ الحقد، أمّا المغفرة فهي التخلُّص من السمّ كي لا يكون في عروقنا إلاّ الحُبّ. وأنا، كيف أغفر؟ "احتملوا بعضُكم بعضًا، وليُسامح بعضُكم بعضًا إذا كانت لأحدٍ شكوى من الآخر. فكما سامحكم الربّ، سامحوا أنتم أيضًا" (قولسي 3/ 13).
أبي الحبيب، أشكرك لأنّك أحببتَني وقبِلتني، وشفيتَ جراحي بجراح ابنك المصلوب. ساعدني كي أنظر إلى صليب ابنك الحبيب يسوع وأدرك كم تألّم من أجلي، وكيف أطلق كلمات الغفران تجاه جميع مَن أساؤوا إليه، بمن فيهم أنا، إذ قال: "أغفر لهم يا أبتِ لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون". بقوّة محبّتك هذه، أنا أغفر لكلّ مَن أساء وخطئ إليّ، غفرانًا كاملاً، بقوّة روحك القدّوس الذي يسكن فيّ. شكرًا لأنّك استجبتَني وقوّيتني كي أسامحهم وأحبّهم باسم ربّي ومخلّصي يسوع المسيح، له المجد. آمين. الخوري يوسف عسّـاف من كهنة أبرشيّة بيروت المارونيّة ومن جمعيّــة كهنة برادو الشرق الخوري يوسف عسّاف ألله محبّة
ما هي المحبّة؟ لا يوجد تحديد كافٍ للمحبّة، لأنّ الله محبّة!.. لكن يمكننا أن نقول عن المحبّة أنّها فعل إحترام للآخر، وتمنّي الخير له، والعمل في سبيل تحقيق هذا الخير. يسعد المحِبّ لفرح الآخر إذا كان للخير، ويتألّم لشقائه، وهو لا يطلب ما لنفسه بل ما هو للبنيان. والمحبّة أنواع، فهناك محبّة الأهل لأولادهم والمحبّة البنويّة والمحبّة الأخويّة ومحبّة الأصدقاء لبعضهم البعض والمحبّة الزوجيّة... كلّ الفضائل والقيم تستطيع أن تكون تجسيدًا لهذه المحبّة وثمرةً لها. ليست المحبّة سهلة دائمًا، لأنّ هناك صعوبات أحيانًا في عيشها. فأن أُحبّ يعني أن أعطي من وقتي وانتباهي ومن ذاتي للآخر. كما أنّ الآخر لا يتقبَّل دائمًا محبّتي، إمّا لأنّ لديه مفهومًا مختلفًا عن المحبّة –كأن يطلب مثلاً أن أفعل له كلّ ما يروق له ولو لم أقتنع به-، وإمّا لأنّه يحمل جراحًا لا تدعه يثق بالآخرين. المحبّة من الله، والمُحِبّ مولودٌ لله وعارفٌ به. تجلّت محبّة الله بإرساله ابنه الوحيد حياةً للعالم. محبّته مجّانيّة، مبادِرة مصافحة. هو بادرنا بالحُبّ قبل أن نعرف كيف نُحِبّ، وثبتَ في الحُبّ بالرغم من رفضنا له. يسوع، محبّة الله صارت جسدًا - لوقا 22/ 14-20 لـمّا أتت ساعة ارتفاع يسوع عن هذا العالم إلى الآب، جلس للطعام، هو وتلاميذه. وكانوا في هذا الوقت يحتفلون بعيد الفصح عند اليهود، أي ذكرى تحرير الله لشعبه، عن يد النبيّ موسى، من أرض مصر ليعبروا البحر الأحمر إلى الحريّة، في الصحراء باتّجاه أرض الميعاد. في هذه الذكرى، أراد الله أن يحرّر جميع الناس من عبوديّة الخطيئة، على يد ابنه الأوحد، من خلال كلّ ما عاشه يسوع منذ تجسّده وحتّى ارتفاعه من بيننا. إنّما أراد الله أن يفعل ذلك بسبب حبّه للعالم. يسوع، في ليلة آلامه، أراد أن يودِّع تلاميذه. في الوداع يفتح الإنسان قلبه ويتكلّم عن أعمق مشاعره. ماذا سيُخبرنا يسوع؟ "اِشتهَيتُ شهوةً شديدة أن آكُلَ معكم هذا الفِصحَ، قبل أن أتألّم"... إنّه الفصح الأخير ليسوع قبل آلامه، فيما بعد سيأخذ الفصح معنًى آخر: إنّه الإحتفال بعبور يسوع إلى الآب! فصح موسى ليس إلاّ رمزًا لفصح المسيح. لكن، قبل هذا الحدث الخطير، هناك أمر لا يستطيع يسوع أن يسكت عنه: أنا أشتهي، ومنذ فترة، شهوةً شديدة، وهي أن آكل معكم هذا الفصح! ما أعظم الحبّ الذي يكنّه يسوع للتلاميذ. إنّه حبّ أقوى من الموت. صحيح أنّ يسوع سيقوم، سينتصر على الموت ويبدأ بتحقيق ملكوت الله. لكن ذلك لا يمنع كونه يشتاق بكلّ جَوارحه إلى الجلوس للوليمة مع تلاميذه ليُقيموا الإحتفال معًا. بعد العشاء سيأخذهم معه إلى جبل الزيتون ويطلب منهم أن يسهروا معه لأنّه يحتاج إلى رِفقتهم. كما كلّ الأصدقاء، سيطلب يسوع من التلاميذ أن يتذكَّروه كلّما جلسوا للطعام وتقاسموا الخبز ودقّوا الكأس: اِصنعوا هذا لذكري، اِشربوا نخبي! هو لن يغيب إن كنّا لا نزال نذكره، هو لن يموت إن كنّا لن ننساه. لكنّ ما يفاجئنا هو أنّه فيما يطلب منّا أن نذكره يعدنا بأن يولم لنا الفصح الحقيقيّ في الملكوت، وأنّه لن يكون حيًّا فقط في ذاكرتنا بل سيكون لنا ينبوع حياةٍ لأنّه فيما يغلب الموت لن ينسى أحبّاءه بل يكون معهم حاضرًا إلى الأبد. في عالم اليوم جان بول وطارق، أخوان يحبّان الحياة. يحافظان على الألعاب التي تأتيهما من الأهل ويلعبان بها. في تمّوز 2006 كانت الحرب على لبنان، كثيرٌ من الناس تركت بيوتها وذهبت إلى المدارس للسكن فيها. نظر الأخوان إلى النازحين الملتجئين إلى المدرسة التي في جوارهما وأحضرا صندوق ألعابهما وانتقيا منها ما كان لا يزال صالحًا وقالا لوالديهما: "نحن عندنا الكثير منها، لا نحتاجها كلّها". ونزلا برفقة أبيهما وقدّما الألعاب إلى الأولاد. لم يكتفيا بذلك بل صارا ينزلان كلّ يوم ويلعبا بالطابة مع الأولاد فتكوّنت بينهم صداقة قويّة. وأنا؟ مَن هم الأشخاص الذين أثق بمحبّتهم لي؟ وكيف يعبِّرون عن هذه المحبّة؟ وأنا، مَن أحِبّ؟ وكيف أُعبّر عن محبّتي؟ بأيّ مواقف وأيّ أفعال وأيّ أقوال؟ الخوري يوسف عسّـاف من كهنة أبرشيّة بيروت المارونيّة ومن جمعيّــة كهنة برادو الشرق الأب هاني شلالا المُرسل اللبناني إنّ شخصيّة يسوع المسيح تبقى صخرة شك وحجر عِثار للعقل البشري. فسرُّ التجسّد الإلهي وسرّ الفداء الخلاصي، يبقيان التحدّي الأكبر لعقل الإنسان. فمنذ البداية وحتى النهاية كان يسوع يعمل ويُعلّم بسلطان إلهي، وقد برهن عن صحة كلامه ورسالته بالآيات والمُعجزات.
نراه مثلاً يشفي العميان ليقول:"أنا نور العالم، من يتبعني لا يمشي في الظلام". نراه يطرد الشياطين ويحرّر الممسوسين الخرس والصمّ، ويُعيد إليهم السمع والنُطق، ليقول: "أنا هو الكائن، أنا الألف والياء، أنا الكلمة والنور، أنا سيّد الكون وملِكه، وإبليس ليس إلّا خليقة بائسة وعاصية، مُضلِّلة وقاتلة". نراه يُسكّن العواصف ويمشي على المياه ليقول:"أنا سيّد العناصر والكون ولا شيء يعصى أوامري". نراه يُكثّر الخبز والسمك ليقول:"أنا الخبز الحيّ النازل من السماء. من يأكل من هذا الخبز يحيا الى الأبد، وهذا الخبز هو جسدي الذي يُبذل لأجل خلاص العالم". ونراه يُعطي هذا الخبز في العشاء السرّي وعلى الصليب:"خذوا كُلوا هذا هو جسدي ... خذوا اشربوا هذا هو دمي". نراه يغفر الخطايا ليُثبت أنّه هو الله. ويأمر المخلّع بأن يحمل سريره ويذهب الى بيته لكي يُثبت للناس أنّه سيّد الحياة وصانعها. ونراه يشفي البُرص ليقول أنّه هو شافي البشريّة من أمراضها وعزلتها وموتها وخطيئتها. نراه يشفي اليهود وغير اليهود ولا يقف عند أيّ حدود، لأنّ محبّته تشمل كلّ الشعوب والأمم. لقد حطّم كلّ الحواجز لأنّ المحبّة بلا حدود. نراه يُقيم الموتى لكي يبرهن أنّه هو سيّد الحياة والموت وبأنّ كلّ شيء بيده وهو ضابط الكلّ بيمينه. نراه يتنبأ عن كل شيء: عن مصيره ومصير تلاميذه، عن موته وقيامته، عن خراب اورشليم وهيكلها، وعن إرسال الروح القدس ومجيئه الثاني بالمجد... . نراه يُعطي السلطان لتلاميذه لكي يشفوا المرضى ويطردوا الشياطين ويُقيموا الموتى باسمه. ونراه يُجري أعظم آية بعد آلامه وموته على الصّليب، الا وهي قيامته من بين الأموات. فقيامته هي ختم الصدق على كلّ ما قال وعلّم. ولولا القيامة لكان اختفى كلّ شيء وانتهى، كما أعلن بولس الرسول:" لو لم يقم المسيح لكان ايمانكم باطل وتبشيرنا باطل". ولولا ظهور المسيح القائم من الموت لتلاميذه لمدة أربعين يومًا لتثبيتهم على الإيمان، ولإرسالهم الى العالم حاملين البشارة السّارة الى أقاصي الارض، لما بقي ذكر للمسيح ولما بقيت ديانة مسيحيّة على وجه الأرض. ولولا حلول الروح القدس على التلاميذ لكانوا ما زالوا مدفونين في قبور خوفهم. فهؤلاء البسطاء والجهّال والفقراء قد ردّوا العالم، وهذه هي أعجوبة من أعظم الآيات. إنّ كلّ الامبراطوريّات والممالك قد بُنيت على القوّة والعنف والسيف والحرب، ومصيرها الزوال؛ إلّا مملكة المسيح الّتي بُنيت على الإيمان والمحبّة، فمصيرها الخلود لأنّ المحبّة هي جوهر الله، وجوهر الله خالد لا يزول. وهذا هو مجد المسيحيّة: أنّها بُنيت على دماء شهدائها، وليس على دماء أعداءها. وهذا الدمّ كان وسيبقى بذار مؤمنيها الصادقين الأبرار على مدى الأيام. ولن يكون سيفٌ للمسيحيّة الا سيف المحبّة والإيمان حتى مُنتهى الدهور. اِسم يسوع في العُبرانيّة يعني "الله يُخلِّص". وفي البشارة، في أنجيل لوقا، قال الملاك جبرائيل لمريم: أن تدع اسمه: يسوع، اسماً عَلماً، يُعبّر عن هويّته ورسالته معًا (ألله يُخلِّص): " فقالَ لَها المَلاك: "لا تَخافي يا مَريَم، فقَد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله. فَستَحمِلينَ وتَلِدينَ ٱبنًا فسَمِّيهِ يَسوع". (لو1/30-31)
وبما أنّ "الله وحده يستطيع أن يغفر الخطايا" كما يقول إنجيل مرقس (مر 2/7) فهو، أيّ الله، بيسوع، ابنه الأزلي المُتجسّد "يُخلّص شعبه من خطاياهم" كما ورد في إنجيل متى. وهكذا يصل الله في يسوع إلى قمة تاريخه الخلاصي للبشر. إنّ اسم يسوع: أيّ الله يُخلّص، هو دعوة الله لجميع الناس في كلّ مكانٍ للخلاص. فكما يقول بولس الرسول: "فإِذا شَهِدتَ بِفَمِكَ أَنَّ يسوعَ رَبّ، وآمَنتَ بِقَلبِكَ أَنَّ اللهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، نِلتَ الخَلاص. فَقَد وَرَدَ في الكِتاب: "مَن آمَنَ بِه لا يُخْزى"..."فكُلُّ مَن يَدْعو بِٱسمِ الرَّبِّ يَنالُ الخَلاص". (رو 10/9-13) يسوع، إنه الاسم الإلهي الذي وحده يجلب الخلاص، وبوسع كلّ إنسان من الآن وصاعداً أن يدعو به لإنّه اتّحد بطبيعتنا البشريّة بالتجسّد، فكما يذكر سفر أعمال الرسل:" فلا خَلاصَ بأَحَدٍ غَيرِه، لأَنَّه ما مِنِ ٱسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على أَحَدِ النَّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص". (أعمال 4/12) قيامة يسوع هي برهان لاهوته وبنوّته لله (رو 1/4) إذ أنّه، من الآن وصاعداً، سيُظهر اسم يسوع بين البشر، القدرة السامية التي لصاحب "الإسم الذي هو فوق كلّ اسم" كما يُعلن الوحيّ. فالأرواح الشريرة تخشى اسمه كما يذكر سفر أعمال الرسل: "فالتفت بولس وقالَ للرُّوح: آمُرُكَ بِٱسمِ يسوعَ المسيح أَن تَخرُجَ مِنها! فخَرَجَ لِساعَتِه". (أعمال 16/18) وبإسمه يصنع تلاميذه معجزات كما يذكر مرقس: "والَّذينَ يُؤمِنونَ تَصحَبُهم هٰذهِ الآيات: فبِٱسْمي يَطرُدونَ الشَّياطين، ويَتَكَلَّمونَ بِلُغاتٍ لا يَعرِفونَها، ويُمسِكونَ الحَيَّاتِ بِأَيديهِم، وإِن شَرِبوا شَرابًا قاتِلاً لا يُؤذيهِم، ويضَعونَ أَيديَهُم على المَرْضى فَيَتعافَون". (مر 16/17) يسوع، أيّ الله يُخلِّص، "لَه يَشهَدُ جَميعُ الأَنبِياءِ بِأَنَّ كُلَّ مَن آمَنَ بِه يَنالُ بِٱسمِه غُفرانَ الخَطايا". (أعمال 10/43). به يقترب المؤمنون المُخلّصون إلى عرش نعمة الله الآب ليسألوا وينالوا. كما قال يسوع بنفسه: "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِن سَأَلتُمُ الآبَ شَيئًا بِٱسمي أَعطاكم إِيَّاه". (يو16/23) إنّ اسم يسوع هو في قلب الصّلاة المسيحيّة. فالصّلاة الكتابيّة هي التي تُرفع لله الآب باسم يسوع، أيّ بشفاعة يسوع المسيح الذي قدّم نفسه كفّارة لخطايانا. أبناء الله، لقب أُعطي في العهد القديم للملائكة، ولشعب الله، قُصد به بنوّة التبنّي التي تجعل بين الله وخليقته علاقات ألفة خاصة. لكن فيما يختص بالمسيح المُنتظر، عندما يُوصَف بأنّه "ابن الله" فإنّ ذلك يعني مساواته بالله أو بمعنى آخر هو الله الأتي في الجسد. كان هذا إيمان شعب العهد القديم وفهمه للكتب المُقدّسة، لذلك سَعْوا إلى قَتلِ يسوع لأَنَّهُ قال "إِنّ اللهَ أبُوهُ، مُسَاوياً نَفْسَهُ بالله." (يوحنا 18:5)
وللسبب نفسه طلب اليهود من بيلاطس أن يصلب يسوع قائلين: " لَنا شَريعَة، وبِحَسَبِ هٰذهِ الشَّريعة يَجِبُ علَيه أَن يَموت لأَنَّه جَعَلَ نَفْسَه ٱبنَ الله" (يوحنّا 7:19 )؛ القول الذي زاد من خوف بيلاطس وسعى لإطلاقه، لكنّه رضخ في النهاية لرغبتهم. أَنتَ هوَ المسِيحُ ابنُ اللهِ الحَيِّ!" كان اعتراف بطرس بمن هو يسوع الذي من الناصرة، والذي طوّبه لأجله المسيح قائلاً: "طُوبَى لكَ فما أَعْلَنَ لكَ هذا لحمٌ ودمٌ، بلْ أَبِي الَّذي في السَّمَاوات". (متى 16:16) إنّ لقب ابن الله لا يعني بشكل من الأشكال المعنى الجسدي أو الحرفي ولكن كما يُعلن الوحي المقدّس بوضوح أن يسوع المسيح: "هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى، وبِكْرُ كُلِّ خَليقَة. ففيه خُلِقَ كُلُّ شَيء مِمَّا في السَّمَواتِ ومِمَّا في الأَرْض، ما يُرى وما لا يُرى ... كُلُّ شَيءٍ خُلِقَ بِه ولَه. هو قَبْلَ كُلِّ شَيء وبِه قِوامُ كُلِّ شَيء... فقَد حَسُنَ لَدى اللهِ أَن يَحِلَّ بِه الكَمالُ كُلُّه. وأَن يُصالِحَ بِه ومِن أَجلِه كُلَّ مَوجود، مِمَّا في الأَرْضِ ومِمَّا في السَّمَوات، وقَد حَقَّقَ السَّلامَ بِدَمِ صَليبِه". (كولوسي 15:1-22) تُقدّم الأناجيل حادثتين هما عِمَاد المسيح وتجلّيه، أتى فيهما صوت الله الآب من السماء مُعلناً: "هذا هو ابني الحَبيب" (متى 3/17 و17/5). ويُعلن المسيح عن نفسه أنّه “ابن الله الوحيد” ويُظهر هويّته ومهمّته أوالقصد من تجسّده حين قال: "لأنَّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالمَ حتّى بَذَلَ ابنَهُ الوحيدَ، لكي لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤمنُ به، بل تَكُونُ لهُ الحياةُ الأَبَدِيَّة". (يو 3/16) لقد ميّز يسوع بنوّته من بنوّة تلاميذه فلم يجمع أبداً نفسه مع تلاميذه مُستخدماً تعبير"أبونا"، لكنّه دعاهم أحباء وأصدقاء. ولكن بعد قيامته وإتمام قصد تجسّده أيّ فِداء كلّ من يؤمنون به ومُصالحتهم مع الآب وارجاعهم لرتبة الأبناء التي فُقدت بعصيان آدم الأول، يقول لأوّل مَرّة عندما تراءى لمريم المجدليّة في فجر قيامته: "ٱذهَبي إِلى إِخوَتي، فقولي لَهم إِنِّي صاعِدٌ إِلى أَبي وأَبيكُم…" (يو 20/17) لقد فتح يسوع المسيح باب تبنّي الله للبشر؛ وأعطاهم أن يشاركوه في بنوّته لله التي ظهرت وتأكّدت بقيامته من الأموات إذ كما يقول الرسول بولس عنه: "وجُعِلَ ٱبنَ اللهِ في القُدرَة، بِحَسَبِ روحِ القَداسة، بِقِيامَتِه مِن بينِ الأَموات". (روم1/4). ونستطيع جميعناً، كلّ من نال خلاصه أن نقول مع الرسول يوحنّا: "…ونحنُ رأينَا مَجدَهُ، مَجدَ ابنٍ وحيدٍ عندَ الآب، وهو مُمتَلِىءٌ بالنِّعمَةِ والحَقّ". (يو 1/14) |
أكاديميّة الإنجيلتعمل أكاديميّة الإنجيل على تعميق المعرفة وتعزيز الوعي لمواضيع مرتبطة بعيش الإنجيل بهدف التجدّد الرّوحيّ وتغيير السلوك المسيحيّ من خلال التّطبيق الفعّال والعمليّ، لهذه المعرفة المُكتسَبة، في الحياة اليوميّة. للمزيد إنضم الى قناتنا على يوتيوب اليوم. إضغط هناأرشيف
March 2025
Categories
All
|