اليوم العالمي للمريض هو يوم سنوي يتمّ الاحتفال به في الكنيسة الكاثوليكيّة في 11 شباط (فبراير). أطلق القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني اليوم العالمي للمريض في 13 أيار 1992 بعد سنة من تشخيصه بمرض الباركنسون، وقد أراده يومًا للصّلاة من أجل المرضى والمتألّمين.
سلسلة حلقات لمناسبة اليوم العالمي للمريض، 11 شباط، مع الأب بيار الدّويهي، كاهن كنيسة مار جرجس للروم الملكيّين الكاثوليك في ذوق مكايل – لبنان، الذي يُقارب الموضوع من زاويا مُختلفة ومُتعدّدة.
في الحلقة الأولى، "المريض، ثقافة الفردية، وفكر المسيح"، يبدأ الأب الدويهي بسؤال: من هو المريض في فكر المسيح؟ ثم يُقارب الموضوع إنطلاقاً من المُقعَد عند بركة الغنم، إنجيل يوحنّا 5 : 1 – 9، الذي كان مريضاً منذ 38 سنة. ويطرح مجموعة من الأسئلة: من هو هذا المريض في فكر الفئات المختلفة من المجتمع؟ كيف يُنظر إليه؟ هل هو رقم؟ إنسان؟ عبء؟ قيمة؟ ما تأثير ثقافة الفرديّة عليه؟ كيف يتحرك روح الله فيه وفيّ؟ وغيرها
|
نظرة المجتمع المُحطِّمة! يُكمل الأب بيار الدّويهي مُقاربة الموضوع لينطلق اليوم من قصة زكا العشّار، إنجيل لوقا 19 : 1 -10، ويجيب على مجموعة تساؤلات: ما علاقة زكّا بالمرض؟ كيف كانت نظرة المجتمع له؟ كيف أثّرت عليه؟ كيف تؤثّر عليّ؟ هل تستطيع أن تكون مُحطِّمة فعلاً؟ كيف تفاعل زكّا معها؟ كيف نظر يسوع الى زكّا وكيف تعامل معه؟ وأنا، كيف أنظر وأتعامل؟ وغيرها
|
"المُجتمع الأعمى!" هو عنوان الحلقة الثالثة من السلسلة الخاصة لمناسبة اليوم العالمي للمريض. ينطلق اليوم الأب بيار الدّويهي من قصّة أعمى أريحا، إنجيل مرقس 10 : 46 - 52، الذي كان يصرخ طالبًا يسوع، ليُقارب موضوع المرض والمريض، نوعًا ما، من ناحية عمليّة.
|
رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي الثّاني والثّلاثين للمريض 11 شباط/فبراير 2024 :"لا يَحسُنُ أَن يَكونَ الإِنسانُ وَحدَه"، الاعتناء بالمريض بالاعتناء بالعَلاقات.
"لا يَحسُنُ أَن يَكونَ الإِنسانُ وَحدَه" (تكوين 2، 18). منذ البدء، الله الذي هو محبّة خلق الإنسان ليكون في شركة واتّحاد مع غيره. ووضع في كيانه أن يكون عَلاقة مع. وهكذا، فإنّ حياتنا، التي صاغها الله على صورة الثّالوث الأقدس، مدعوةٌ إلى أن تحقّق نفسها كاملة في ديناميكيّة العَلاقات والصّداقة والحبّ المتبادل. خلقنا لنكون معًا، لا وحدنا. ولأنّ مشروع الشّركة والوَحدة هذا محفور بعمق في قلب الإنسان، فإنّ خبرة الخذلان والوِحدة تخيفنا وهي مؤلمة، بل هي غير إنسانيّة. وتصير أكثر خطورة في أوقات الضّعف والتّردّد وانعدام الأمن، وهذا يحدث مرارًا عند الإصابة بأيّ مرض خطير.
|
أفكّر، مثلًا، في الذين كانوا وحيدين جدًّا خلال جائحة كوفيد-19: المرضى الذين لم يتمكّنوا من استقبال الزّوار، وأيضًا الممرضين والأطباء وموظفين آخرين داعمين، جميعهم كانوا مثقلين بالعمل ومغلقًا عليهم في أجنحة العزل. وبالطّبع لا ننسى عدد الأشخاص الذين اضطروا إلى أن يواجهوا ساعة الموت وحدهم، بمساعدة العاملين في مجال الصّحّة، ولكن بعيدًا عن عائلاتهم.
وفي الوقت نفسه، أشارك بألَم في حالات الألَم والوِحدة التي يوجد فيها البعض اليوم، بسبب الحرب وعواقبها المأساويّة، بلا سند ولا مساعدة: الحرب هي أشدّ الأمراض الاجتماعيّة، والذين يدفعون الثّمن الغالي فيها هم الأضعفون.
ومع ذلك، من الضّروري أن نؤكّد أنّه حتّى في البلدان التي تتمّتع بالسّلام وبموارد وافرة، فيها أيضًا وقت الشّيخوخة والمرض محاط بالعزلة، وأحيانًا بالخذلان. هذا الواقع المحزن هو قبل كلّ شيء نتيجة لثقافة الفرديّة، التي تهتمّ أوّلًا بالمكسب مهما كان الثّمن، وبأسطورة الفعّالية والإنتاج، فتصير غير مبالية، بل بلا رحمة، عندما لا يعود لدى النّاس القوّة اللازمة للإنتاج. ومن ثمّ تصير ثقافةالإقصاء والرّفض، حيث "الأشخاص لا يُعتبرون بعد قيمةً أساسيّة ينبغي احترامها وحمايتها، لا سيّما إن كانوا فقراء أو ذوي احتياجات خاصّة، أو ”لا يقدرون بعد أن يعملوا“ – كالأطفال الذين لم يولدوا بعد– أو ”لا فائدة منهم“ – كالكبار المتقدّمين في السّن" (رسالة بابوية عامة، كلّنا إخوة، 18). للأسف، هذا المنطق يتغلغل أيضًا في بعض الخيارات السّياسيّة، التي تفشل في وضع كرامة الإنسان واحتياجاته في المقام الأوّل، ولا يضعون دائمًا الاستراتيجيات والموارد اللازمة لضمان الحقّ الأساسي لكلّ إنسان في الصّحّة والحصول على العلاج. في الوقت نفسه، التّخلّي عن الضّعفاء ووِحدتهم تزداد مع تقليص الرّعاية إلى الخدمات الصّحيّة فقط، دون أن تكون مصحوبة بحكمة بـكلّ ما يلزم من التّرابط في مجال العلاج، بين الطّبيب والمريض وأفراد العائلة.
وفي الوقت نفسه، أشارك بألَم في حالات الألَم والوِحدة التي يوجد فيها البعض اليوم، بسبب الحرب وعواقبها المأساويّة، بلا سند ولا مساعدة: الحرب هي أشدّ الأمراض الاجتماعيّة، والذين يدفعون الثّمن الغالي فيها هم الأضعفون.
ومع ذلك، من الضّروري أن نؤكّد أنّه حتّى في البلدان التي تتمّتع بالسّلام وبموارد وافرة، فيها أيضًا وقت الشّيخوخة والمرض محاط بالعزلة، وأحيانًا بالخذلان. هذا الواقع المحزن هو قبل كلّ شيء نتيجة لثقافة الفرديّة، التي تهتمّ أوّلًا بالمكسب مهما كان الثّمن، وبأسطورة الفعّالية والإنتاج، فتصير غير مبالية، بل بلا رحمة، عندما لا يعود لدى النّاس القوّة اللازمة للإنتاج. ومن ثمّ تصير ثقافةالإقصاء والرّفض، حيث "الأشخاص لا يُعتبرون بعد قيمةً أساسيّة ينبغي احترامها وحمايتها، لا سيّما إن كانوا فقراء أو ذوي احتياجات خاصّة، أو ”لا يقدرون بعد أن يعملوا“ – كالأطفال الذين لم يولدوا بعد– أو ”لا فائدة منهم“ – كالكبار المتقدّمين في السّن" (رسالة بابوية عامة، كلّنا إخوة، 18). للأسف، هذا المنطق يتغلغل أيضًا في بعض الخيارات السّياسيّة، التي تفشل في وضع كرامة الإنسان واحتياجاته في المقام الأوّل، ولا يضعون دائمًا الاستراتيجيات والموارد اللازمة لضمان الحقّ الأساسي لكلّ إنسان في الصّحّة والحصول على العلاج. في الوقت نفسه، التّخلّي عن الضّعفاء ووِحدتهم تزداد مع تقليص الرّعاية إلى الخدمات الصّحيّة فقط، دون أن تكون مصحوبة بحكمة بـكلّ ما يلزم من التّرابط في مجال العلاج، بين الطّبيب والمريض وأفراد العائلة.
حَسَنٌ لنا أن نسمع من جديد كلمة الكتاب المقدس: لا يَحسُنُ أَن يَكونَ الإِنسانُ وَحدَه! قالها الله في بداية الخلق، وبها كشف لنا عن المعنى العميق لخطته للبشريّة، وفي الوقت نفسه، بيَّن لنا جُرح الخطيئة المميت، الذي يدخل فيولّد الشّكوك والانشقاقات والانقسامات، والعزلة أيضًا. فهي تؤثّر في الإنسان في جميع علاقاته: مع الله، ومع نفسه، ومع الآخرين، ومع الخليقة. هذه العزلة تجعلنا نفقد معنى الحياة، وتسلبنا فرح الحبّ وتجعلنا نختبر شعورًا خانقًا بالوِحدة في جميع مراحل الحياة الحاسمة.
أيّها الإخوة والأخوات، العلاج الأوّل الذي نحتاج إليه في مرضنا هو القرب المليء بالرّأفة والحنان. لهذا السّبب، أن نعتني بالمريض يعني قبل كلّ شيء أن نعتني بعلاقاته، بكلّ علاقاته: مع الله، ومع الآخرين - الأقارب والأصدقاء والعاملين الصّحّيّين - ومع الخليقة، ومع نفسه. هل هذا الأمر ممكن؟ نعم ممكن، ونحن كلّنا مدعوّون إلى أن نلتزم حتّى يتحقّق ذلك. لننظر إلى أيقونة السّامري الرّحيم (راجع لوقا 10، 25-37)، وإلى قدرته على أن يتوقَّف ويكون قريبًا، وإلى الحنان الذي به خفَّف جراح أخيه المتألّم.
لنتذكّر هذه الحقيقة الأساسيّة في حياتنا: أَتَينَا إلى العالم لأنّ أحدًا ما استقبلنا، وخُلِقنا من أجل المحبّة، ودُعينا إلى الشّركة والوَحدة وإلى الأخوّة. هذا البُعد في كياننا يسندنا خاصّة في أوقات مرضنا وضعفنا، وهو العلاج الأوّل الذي علينا أن نعتمده معًا كلّنا لكي نشفي أمراض المجتمع الذي نعيش فيه.
وأودُّ أن أقول لكم، أنتم الذين تعيشون مع المرض، سَواء كان عابرًا أم مُزمنًا: لا تَخجلوا من رغبتكم في القُرب والحنان! لا تُخفوها ولا تفكّروا أبدًا في أنّكم عِبءٌ على الآخرين. حالة المرضى تدعونا كلّنا إلى أن نُبطئ الإيقاعات المسرعة التي تغمرنا وإلى أن نكتشف أنفسنا من جديد.
أيّها الإخوة والأخوات، العلاج الأوّل الذي نحتاج إليه في مرضنا هو القرب المليء بالرّأفة والحنان. لهذا السّبب، أن نعتني بالمريض يعني قبل كلّ شيء أن نعتني بعلاقاته، بكلّ علاقاته: مع الله، ومع الآخرين - الأقارب والأصدقاء والعاملين الصّحّيّين - ومع الخليقة، ومع نفسه. هل هذا الأمر ممكن؟ نعم ممكن، ونحن كلّنا مدعوّون إلى أن نلتزم حتّى يتحقّق ذلك. لننظر إلى أيقونة السّامري الرّحيم (راجع لوقا 10، 25-37)، وإلى قدرته على أن يتوقَّف ويكون قريبًا، وإلى الحنان الذي به خفَّف جراح أخيه المتألّم.
لنتذكّر هذه الحقيقة الأساسيّة في حياتنا: أَتَينَا إلى العالم لأنّ أحدًا ما استقبلنا، وخُلِقنا من أجل المحبّة، ودُعينا إلى الشّركة والوَحدة وإلى الأخوّة. هذا البُعد في كياننا يسندنا خاصّة في أوقات مرضنا وضعفنا، وهو العلاج الأوّل الذي علينا أن نعتمده معًا كلّنا لكي نشفي أمراض المجتمع الذي نعيش فيه.
وأودُّ أن أقول لكم، أنتم الذين تعيشون مع المرض، سَواء كان عابرًا أم مُزمنًا: لا تَخجلوا من رغبتكم في القُرب والحنان! لا تُخفوها ولا تفكّروا أبدًا في أنّكم عِبءٌ على الآخرين. حالة المرضى تدعونا كلّنا إلى أن نُبطئ الإيقاعات المسرعة التي تغمرنا وإلى أن نكتشف أنفسنا من جديد.
في عصر التغيّرات هذا الذي نعيش فيه، نحن المسيحيّين بشكلٍ خاصّ، مدعوّون إلى أن نتخذ نظرة يسوع الرّؤوفة. لنعتنِ بمن يتألّم وهو وحده، وقد يكون مهمّشًا ومنبوذًا. لنشفِ جِرَاح الوِحدَة والعُزلَة بالحبّ المُتبادل الذي منحنا إيّاه يسوع المسيح في الصّلاة، وخاصّة في الإفخارستيّا. وهكذا نتعاون لكي نقاوم ثقافة الفرديّة واللامبالاة والإقصاء، ولكي ننمّي ثقافة الحنان والرّأفة.
المرضى والضّعفاء والفقراء هُم في قلب الكنيسة ويجب أن يكونوا أيضًا في قلب مشاعرنا البشريّة واهتمامنا الرّعويّ. لا ننسَ ذلك! ولنُوكل أنفسنا إلى سيّدتنا مريم الكاملة القداسة، وشِفَاء المرضى، لتشفع بنا وتساعدنا لنكون صانعي قُرب وعلاقات أخويّة.
روما، بازيليكا القدّيس يوحنّا في اللاتران، يوم 10 كانون الثّاني/يناير 2024.
المرضى والضّعفاء والفقراء هُم في قلب الكنيسة ويجب أن يكونوا أيضًا في قلب مشاعرنا البشريّة واهتمامنا الرّعويّ. لا ننسَ ذلك! ولنُوكل أنفسنا إلى سيّدتنا مريم الكاملة القداسة، وشِفَاء المرضى، لتشفع بنا وتساعدنا لنكون صانعي قُرب وعلاقات أخويّة.
روما، بازيليكا القدّيس يوحنّا في اللاتران، يوم 10 كانون الثّاني/يناير 2024.