في الواقع، يوحنّا المعمدان أكثر من كونه رجلًا متشدِّدًا، إنّه يرفض الازدواجيّة. مثلًا، عندما كان يقترب منه الفرّيسيّون والصّدّوقيّون، المعروفون بنفاقهم، كانت ”ردّة فعلِهِ“ أشدَّ! في الواقع، بعضهم، ربّما كانوا يذهبون إليه بدافع الفُضول أو فقط للظهور ولمجاراة أناس، لأنّه صار ليوحنا شعبيّة كبيرة. شَعَرَ هؤلاء الفرّيسيّون والصّدّوقيّون بأنّهم على ما يرام، وأمام دعوة يوحنّا المعمدان المُلِحَة إلى المعموديّة، كانوا يبرّرون أنفسهم قائلين: "إنَّ أَبانا هُوَ إِبْراهيم" (الآية 9). هكذا، بين الازدواجيّة والغرور، رفضوا قبول النّعمة، والفرصة ليبدأوا حياةً جديدة. كانوا منغلقين في غرورهم أنّهم أبرار. لذلك قال لهم يوحنّا: "فأَثمِروا إِذًا ثَمَرًا يَدُلُّ على تَوبَتِكم" (الآية 8). إنّها صرخة محبّة، مثل صرخة الأب الذي يرى ابنه يعرِّض نفسه للهلاك، فيقول له: ”لا تُضيّع حياتك!“. في الواقع، أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء، الرّياء هو الخطر الأشدّ، لأنّه يستطيع أن يُفسد أقدس الحقائق. الرّياء خطر شديد! لهذا كان يوحنّا المعمدان – ويسوع أيضًا بعد ذلك – قاسيًا مع المُرائين. يمكننا أن نقرأ على سبيل المثال الفصل 23 من إنجيل متّى، عندما تكلّم يسوع إلى المرائين في ذلك الوقت، بصوت عالٍ جدًا! ولماذا فعل ذلك يوحنا المعمدان ويسوع أيضًا؟ لكي يهِزَّهم. الذين كانوا يشعرون بأنفسهم أنّهم خطأة "كَانُوا يَخرُجُونَ إِلَيهِ، فيَعتَمِدونَ عَن يَدِه ويَعتَرِفُونَ بِخَطاياهم" (الآيات 5-6). هذا هو الواقع: كي نستقبل الله لا تهمّ المهارة، بل التّواضع. هذه هي الطريقة لاستقبال الله، وليست المهارة. قد يقول البعض: ”نحن أقوياء، نحن شعب عظيم...“، لا، يجب التّواضع. وقد يقول آخرٌ: ”أنا خاطئ“؛ ولكن لا تقل ذلك بصورة نظرية، لا ، بل خطئت في ”هذا، وهذا، وهذا“. يجب على كلّ واحد منّا أن يعترف بخطاياه، وقبل كلّ شيء أن يعترف لنفسه، بخطاياه، ونقائصه، وعلينا أن ننزل من عرشنا ونَغطس في ماء التّوبة.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، يوحنّا، ”بحساسيّته الشّديدة تجاه الازدواجيّة“، يجعلنا نفكّر. ألسنا نحن أيضًا مثل هؤلاء الفرّيسيّين أحيانًا؟ ربّما ننظر إلى الآخرين من أعلى إلى أسفل، ونفكّر أنّنا أفضل منهم، وأنّ حياتنا في يدنا، وأنّنا لسنا بحاجة كلّ يوم إلى الله والكنيسة وإخوتنا. ننسى أنّه يجوز أن ننظر إلى الآخر من أعلى إلى أسفل، في حالة واحدة فقط: عندما يكون من الضّروري أن نساعده على النهوض. هذه الحالة الوحيدة التي يجوز فيها النظر من فوق، أمّا في كلّ الحالات الأخرى، فلا يجوز. زمن المجيء هو زمن نعمة لكي ننزع عنّا أقنعتنا - كلّ منّا لديه هذه الأقنعة - ونصطفّ مع المتواضعين، ونتحرّر من غرورنا واعتقادنا بأنّنا مكتفون ذاتيًّا، فنذهب ونعترف بخطايانا، الخفية، ونقبل مغفرة الله، ونطلب المعذرة ممّن أسأنا إليهم. هكذا تبدأ الحياة الجديدة. والطّريق واحد فقط، وهو التّواضع: لنتطهّر من الشّعور بالتّفوق والشّكليّات والرّياء، لكي نرى في الآخرين إخوة وأخوات لنا، وخطأة مثلنا، ولكي نرى في يسوع مخلّصًا الذي جاء من أجلنا أيضًا، وليس من أجل الآخرين فقط، بل من أجلنا، تمامًا كما نحن، مع فقرنا وبؤسنا ونقائصنا، ولا سيّما مع حاجتنا لكي يقيمنا من جديد، ويغفر لنا ويخلّصنا. ولنتذكّر أمرًا آخر أيضًا: مع يسوع هناك دائمًا إمكانيّة لنبدأ من جديد. لا يفوت الأوان أبدًا، فهناك دائمًا إمكانيّة لنبدأ من جديد. تشجعوا، فهو قريب منّا وهذا وقت التّوبة. كلّ واحد منكم يمكن أن يفكّر: ”أنا في هذه الحالة في داخليّ، وهذه المشكلة تجعلني أشعر بالخجل...“. لكن يسوع قريب منك. ابدأ من جديد، هناك دائمًا إمكانيّة لتخطُوَ خطوة أخرى. إنّه ينتظرنا ولا يتعب منّا أبدًا. لا يتعب أبدًا! نحن مزعِجون، لكن هو لا يتعب أبدًا. لنُصغِ إلى نداء يوحنا المعمدان لكي نعود إلى الله ولا ندع زمن المجيء هذا يمرُّ مثل أيّام السّنة العاديّة، لأنّه زمن نعمة، زمن نعمة لنا أيضًا، الآن، وهنا! لتساعدنا مريم، خادمة الرّبّ يسوع المتواضعة، لنلتقي بِهِ وبالإخوة على طريق التّواضع، الذي هو الطّريق الوحيد الذي يجعلنا نتقدّم دائمًا. |
أكاديميّة الإنجيلتعمل أكاديميّة الإنجيل على تعميق المعرفة وتعزيز الوعي لمواضيع مرتبطة بعيش الإنجيل بهدف التجدّد الرّوحيّ وتغيير السلوك المسيحيّ من خلال التّطبيق الفعّال والعمليّ، لهذه المعرفة المُكتسَبة، في الحياة اليوميّة. للمزيد إنضم الى قناتنا على يوتيوب اليوم. إضغط هناأرشيف
March 2025
Categories
All
|