الخوري يوسف عسّاف ما هو الغفران؟
غفران الإساءة هو عمل يقوم به الإنسان بنعمة إلهيّة، وهو يتطلّب نضجًا إنسانيًّا وروحيًّا، وهذا ما لا يحدث إلاّ في مسيرة. إن كان الغفران نعمة، فهو إذًا عطيّة مجّانيّة من الله لكنّه أيضًا مسؤوليّة موكولة إلينا، علينا أن نسهر على تنميتها فينا، أو بالحريّ على نموِّنا فيها. أمّا غفران الخطايا فهو من اختصاص الله وحده، وقد كان ليسوع في الأرض سلطان على مغفرة الخطايا، وقد برهن عنه في آية شفاء المخلَّع (مرقس 2/ 1-12). وقد أعطى الربّ القائم من الموت هذا السلطان لجماعة التلاميذ مقرونًا بعطيّة الروح القدس والرسالة (يوحنا 20/ 21-23)، وهذا ما عبّر عنه القدّيس بولس إذ قال إنّ الله عهد إلينا خدمة المصالحة، أي عهد إلينا أن نعلنها للعالم لأنّنا سفراء المسيح، وكأنّ الله هو مَن يعظ بألسنتنا (2 قورنتس 5/ 14-21). يسوع الغافر، يوحنا 13/ 21-30. أثناء العشاء الأخير، بعد أن غسل يسوع أرجل تلاميذه، ومن بينهم يهوذا الإسخريوطي الذي كان يريد أن يُسلمه (يوحنا 13/ 1-17)، قرّر يسوع أن يحضِّر تلاميذه لما سيجري فأخبرهم بأنّ واحدًا منهم سيُسلمه، من دون أن يحدِّد أمامهم مَن هو هذا الواحد. نظر التلاميذ بعضُهم إلى بعض حائرين لا يعرفون مَن يعني يسوع بقوله. لم يتّهموا أحدًا بل بدأوا، حسب ما يخبرنا به القدّيس متّى، أنّهم حزنوا جدًّا وأخذوا يسألونه، واحدًا واحدًا: "هل أنا هو، يا سيّد" (متى 26/ 22). تلك كانت نقاوة التلاميذ الذين لا يشيرون إلى أحد متّهمين بل يتساءلون حول أمانتهم هم. غمس يسوع اللقمة ورفعها وناول يهوذا بنَ سمعان الإسخريوطيّ (يوحنا 13/ 26). كي يدلّ يسوع إلى الخائن، اختار أن يعطيه فرصةً جديدة مبيِّنًا له عمق محبّته. إعطاء اللقمة على المائدة يدلّ على المكانة التي للآخر في قلبنا. تلك هي المكانة التي ليهوذا في قلب يسوع، بالرغم من معرفة يسوع بالخيانة. غير أنّ يهوذا، لمّا تناول اللقمة، دخل فيه الشيطان (13/ 27) وخرج في الحال، وكان ليلاً (13/ 30). ما علاقة الشيطان باللقمة؟ اللقمة هي علامة المحبّة، وأمام إصرار يهوذا على الخيانة بالرغم من تجلّي محبّة يسوع له بأكمل صورها، دخل فيه الشيطان لأنّه قسّى قلبه وأصرّ على رفض الحبّ، فكان ليل لأنّه أسلم ذاته لسُلطان الظلمة ولم يُرِد أن يسير في النور. هذا هو غفران يسوع: إنّه المثابرة على الحبّ من دون شروط ولا تحفُّظ، حبٌّ من دون ندامة. في عالم اليوم أخبرني إنسان عن صديقه في استراليا، قال: "كان صديقي يجمع الحطب خلف منزله، فداس عن طريق الخطأ أفعى سامّة فلسعته. كان أمام أحد خيارين: أن يتعقّب الأفعى للإنتقام منها أو الذهاب حالاً إلى المستشفى للتخلّص من السمّ الذي يسري في عروقه. "كان الصديق حكيمًا فاختار الخيار الثاني، لم يضيّع لحظةً واحدة بل قاد سيّارته إلى أقرب مستشفى فنجا." الإنتقام هو أن نترك أنفسنا نموت بسمّ الحقد، أمّا المغفرة فهي التخلُّص من السمّ كي لا يكون في عروقنا إلاّ الحُبّ. وأنا، كيف أغفر؟ "احتملوا بعضُكم بعضًا، وليُسامح بعضُكم بعضًا إذا كانت لأحدٍ شكوى من الآخر. فكما سامحكم الربّ، سامحوا أنتم أيضًا" (قولسي 3/ 13).
أبي الحبيب، أشكرك لأنّك أحببتَني وقبِلتني، وشفيتَ جراحي بجراح ابنك المصلوب. ساعدني كي أنظر إلى صليب ابنك الحبيب يسوع وأدرك كم تألّم من أجلي، وكيف أطلق كلمات الغفران تجاه جميع مَن أساؤوا إليه، بمن فيهم أنا، إذ قال: "أغفر لهم يا أبتِ لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون". بقوّة محبّتك هذه، أنا أغفر لكلّ مَن أساء وخطئ إليّ، غفرانًا كاملاً، بقوّة روحك القدّوس الذي يسكن فيّ. شكرًا لأنّك استجبتَني وقوّيتني كي أسامحهم وأحبّهم باسم ربّي ومخلّصي يسوع المسيح، له المجد. آمين. الخوري يوسف عسّـاف من كهنة أبرشيّة بيروت المارونيّة ومن جمعيّــة كهنة برادو الشرق Comments are closed.
|
أكاديميّة الإنجيلتعمل أكاديميّة الإنجيل على تعميق المعرفة وتعزيز الوعي لمواضيع مرتبطة بعيش الإنجيل بهدف التجدّد الرّوحيّ وتغيير السلوك المسيحيّ من خلال التّطبيق الفعّال والعمليّ، لهذه المعرفة المُكتسَبة، في الحياة اليوميّة. للمزيد إنضم الى قناتنا على يوتيوب اليوم. إضغط هناأرشيف
March 2025
Categories
All
|